مطرف بن عبد الله بن الشخير الحمد لله رب العالمين، بديع السموات والأرض ذي الجلال والإكرام ذي الطول والإنعام، من تكلم سمع نطقه، ومن سكت علم سره، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات يؤوب إلى رحمته، اللهم أدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين، اللهم اجعل سعينا كله لك، واجعل عملنا كله لك، واجعل صيامنا كله لك اجعل اعتمادنا كله عليك يا أرحم الراحمين. والصلاة والسلام على خير الأخيار، وأسعد السعداء، وأشرف أهل الأرض والسماء، وعلى آله الطيبين، وصحابته الغر الميامين. ن الذين يصلون إلى مرتبة مجابي الدعوة السماء مفتوحة أمامهم على مدى أربع وعشرين ساعة ما سألوا الله تعالى شيئًا إلا أعطاهم إياه، يكفيهم فقط أنهم إذا رفعوا أبصارهم قُضيت حوائجهم. وفي هذا المقال سنصطحب واحدًا من الصحابة هو «مُطّرف بن عبد الله بن الشّخير» رضي الله عنه. ولد في عام غزوة بدر بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة واستقرّ فيها. يعني أدرك النبي صلى الله عليه وسلم طفلًا فصحب الصحابة رضي الله عنهم، ونقل عنهم وتعلم من جيل الصحابة، والإمام البخاري ينقل عنه كل الأحاديث التي رواها عن الصحابة. روى عن الإمام علي، وعن عثمان، وعن عمران بن حصين رضي الله عنهم، ولازم مُطّرف بن عبد الله بن الشخير عمران بن حصين رضي الله عنهما دهرًا طويلًا، وعمران بن حصين رضي الله عنه من أشد الصحابة رضي الله عنهم صمودًا عند الفتن. وعاش مُطّرف في زمن زياد بن معاوية رضي الله عنهما، وكان يكبر الإمام الحسن البصري بعشرين سنة. الفترة التي عاش فيها مُطّرف بن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه كانت فترة مليئة بالفتن. وكان قد نقل أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في أن المسلم يعتزل الفتن، ويلزم مسجده أو يلزم بيته. فكان إذا لجأ الناس إليه في مشكلة يقال عنه فيلزم مسجد بيته. وكان إذا جاءه أحد في مشكلة فيقول: أمهلوني ساعة أو ساعتين، فيدخل مسجد بيته، ويخرج بعد ساعة أو ساعتين من الدعاء المستجاب، ويقول: أبشروا فإن الله تعالى قضى لكم حاجتكم. وظل على هذا لا يدعو الله دعوة إلا أغاثه الله لأجل هذا الناس الذين صحبوا مُطّرف رضي الله عنه وجدوه ناسكًا وزاهدًا وصوامًا وقوامًا وخائفًا من عذاب الله تعالى. وجدوه صاحب رؤى صالحة لا تخطئ أبدًا. هؤلاء الناس (مجابو الدعاء) تحدث لهم خوارق عادات وأمورًا غير مألوفة عند البشر. ذات ليلة كان الجو ظلامًا شديدًا، ومُطّرف رضي الله عنه معه عصاه، يقول الإمام الذهبي: فأضاء له سوطه أي العصا كان يمشي بالليل فأضاء له سوطه فأصبح يمشي في نور الله تعالى. ولم يكن هذا الأمر غريبًا فقد عهدناه في الصحابة رضي الله عنهم، فقد رأينا هذا عند: عباد بن بشر، والطفيل بن عمرو الدوسي، وأسيد بن حضير رضي الله عنهم. هؤلاء الثلاثة أضاء لهم سوطه في الظلام. وهذه الرويات متكررة عند ابن كثير وابن رجب والذهبي وهكذا . توفي ابنه عبد الله بن مطرف بن الشخير رضي الله عنه، ولم يبدو عليه أثر الانزعاج والهلع، والتأثر الكبير الذي يبدو عند الناس، فخرج متطيبًا ويلبس ملابسه الحسناء الجميلة ولم يبدو عليه الجزع فلامه الناس. فقال: إن الله تعالى بشرني بثلاث، وإني قبلت البشرى من الله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة]. إن الله تعالى بشرني بثلاث: أولها: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ} ثانيا: {وَرَحْمَةٌ، وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. قال مُطّرف رضي الله عنه حينما ذهب إلى صعيد عرفة: "ما أجل وأعظم هذا الموقف لولا أني فيهم، ولو لم أكن معهم لغفر الله تعالى لهم". رغم أنه كان مجاب الدعوة، ولكن كان السلف الصالح يحقرون من أنفسهم، ويقللون من قيمة أنفسهم. {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)} [النساء]. وكان يقول رضي الله عنه: "إذا زرتم مريضًا فمروه أن يدعو لكم، فإن الملائكة عليهم السلام تؤمّن على دعاء المريض، وإن دعاء المريض لمجاب عند الله تعالى". وهذه الحكم الجميلة لا يدركها إلا من عاش الإيمان بقلوبهم. وكان هناك رجل كذّاب يكذب على مطرف بن عبد الله بن الشخير عند الولاة والأمراء، ويقول عليه ما ليس فيه، فالتقى به ذات مرة، فنظر مطرف إلى وجهه فتذكر المآسي التي فعلها فيه، فقال: "اللهم عجّل به الآن، فمات في الحال". فذهبوا إلى زياد بن معاوية رضي الله عنهما أمير المؤمنين يشكون إليه أنه قتل أخاهم. فقال زياد رضي الله عنه: هل ضربه؟ لا. هل مدّ إليه يدًا؟ لا. فقال زياد رضي الله عنه: "ماذا تفعلون إذا كان عبدا صالحًا وافقت دعوته قدر الله عز وجل؟". هذه الواقعة أنه إذا دعا لأحد نجاه الله تعالى، وإذا دعا على أحد عجل الله به ذكروا حوالي عشرين قصة من الناس الذين دعا عليهم مُطّرف رضي الله عنه، فكانت دعوته تخترق السبع الطباق. لك أن تسأل: ما السر الذي بينهم وبين الله تعالى؟ مجابو الدعاء أكيد لهم سر عند الله تعالى، لأن الله تعالى لا يستجيب لأي أحد. أولا لكي يكون دعاؤك مستجابًا ينبغي أقل حاجة أن يخترق السبع الطباق، ثم يصعد فوق السبع الطباق، ويدور حول عرش الرحمن، فيعرفه أهل السماء قبل أن يعرفه أهل الأرض. يعني الملأ الأعلى يعرف مطرف بن عبد الله بن الشخير لماذا؟ لأن صوته مسموع ويخترق السبع الطباق، ثم يدور حول عرش الرحمن. الذين يفعلون هذا يصل لحالة أن يقضي الليل كله اثنا عشر ساعة، أو ثمان ساعات في ركعتين، وربما يقضي الليلة الواحدة في سجدة واحدة. تخيل هذا صبر في العبادة ربما لا يصل إليه إلا الأنبياء عليهم السلام أو الصحابة رضي الله عنهم. فيصل إلى حالة من اليقين أنه نفسه دون غرور متى رفع يديه إلى السماء، فإن الله تعالى لن يردهما خائبتين أبدًا. لذا كان بنو إسرائيل يأتون موسى عليه السلام فيقولون: {يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ} [الأعراف: 134] يا موسى فيه حاجة عندك بينك وبين الله {بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ} نحن لا نعرفها. لذا في غزوة تبوك لما جدبت الأرض والسماء، وأصبح الأمر عصيبا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى تقطعت أكباد الإبل، ومعروف أن الإبل عندها صبر، فقال أبو بكر: يا رسول الله إنا عهدناك إذا دعوت الله فلن يردك أبدا فادع الله تعالى. فرفع صلى الله عليه وسلم يديه واستغاث. وهناك فرق بين الدعاء والاستغاثة {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال: 9] وإذا استغاث النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يرفع يديه عاليا، وربما يجثو على ركبتيه، وربما يقف حتى رؤي بياض إبطيه، صلوات ربي وسلامه عليه، أو عفر إبطيه، فما يكاد يرفع يديه، ويرى عفر إبطيه حتى تبدلت السماء، وأمطرت السماء، كما طلب النبي صلى الله عليه وسلم حتى أغرقت الناس. وذات مرة كان النبي صلى الله عليه وسلم -بأبي أنت وأمي يا رسول الله- يخطب على المنبر يوم الجمعة، فقام رجل فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يسقينا، فدعا «اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين» وظل يرددها فتغيمت السماء ومطرنا، حتى ما كاد الرجل يصل إلى منزله، فلم تزل تمطر إلى الجمعة المقبلة، فقام ذلك الرجل أو غيره، فقال: ادع الله أن يصرفه عنا فقد غرقنا. أإله مع الله؟ لا إله إلا الله، فقال: «اللهم حوالينا لا علينا» فجعل السحاب يتقطع حول المدينة، ولا يمطر أهل المدينة. وتوقف المطر. هذا في حقّ النبي صلى الله عليه وسلم معروف فمتى يكون معروفا عند الناس؟ الذي يصل إلى هذه الحالة هو الذي أخذ حظا كبيرا من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يصل إلى مرحلة إذا دعا الله تعالى دعاه بقلبه قبل أن يدعوه بلسانه. الملائكة يتعجبون أحيانا من هؤلاء القوم الصالحين كيف يستجيب الله لهم؟ كمطرف بن عبد الله بن الشخير يصل إلى مرحلة تفوق مرحلة الملائكة لماذا؟ لأنه استطاع أن يتغلب على شواغل القلب، يعني كل شيء يشغله عن الله تعالى ينحيه، وكل فتنة مضلة وغبراء فإنه ينحي قلبه عنها حتى صار قلبه لا يتعلق إلا بالله {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62] . وكان يقول: إني أرى الموت ينغص على الناس حياتهم ويحولها إلى هم وغم، فاسألوا الله نعيما لا غم فيه، وهو الجنة. ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل فقال له: فإن نعيم الجنة لا يزول {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [الشورى: 22]. وقال تعالى عن صفات أهل الجنة: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوب} [فاطر: 34، 35] يعني اطلبوا من الله تعالى أن يعطيكم نعيما لا كدر فيه لا تحزن فيها ولا يأتيك إرهاق ولا صداع ولا حزن ولا كدر ولا هم {لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوب}. ومن سمات أصحاب الدعاء المستجاب أن لهم حالا مع الله إذا رفعوا أبصارهم إلى الله قضى حوائجهم دون أن يسألوا؛ لأن قلوبهم لها محل معرفة عند الله، وهكذا كان حال مطرف بن عبد الله بن الشخير. اللهم أحي قلوبنا بحبّ الصالحين، وأصلح قلوبنا ونياتنا وأعمالنا، وتوفنا وأنت راض عنا. اللهم توفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين. اللهم قربنا إليك نجيا، واجعلنا من المستكثرين بالخيرات، ونورنا بنور الإيمان، واجعلنا وإياكم من صالحي هذا الزمان، رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم فإن أنت الأعز العزيز الأكرم. {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10] {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]. من كتاب : مجابو الدعاء لفضيلة الأستاذالدكتور / أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي