(من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية) قال أحد السلف: (مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره وطاعته) والعبد إذا ارتقى بالعلم النافع والعمل الصالح إلى مقام الإحسان واستقرت قدمه فيه أنس بالله تعالى والتذ بطاعته وذكره. وهذه المنزلة من أعظم المنازل وأجلها، ولكنها تحتاج إلى تدريج للنفوس شيئا فشيئا، ولا يزال العبد يعودها نفسه حتى تنجذب إليها وتعتادها، فيعيش العبد قرير العين بربه، فرحا مسرورا بقربه. إن الأنس بالله تعالى ثمرة الطاعات والتقرب إلى رب الأرض والسماوات، كما قال ابن القيم رحمه الله: (فكل طائع مستأنس، وكل عاص مستوحش) [مدارج السالكين: 2/406]. وقال ابن الجوزى رحمه الله تعالى: (إنما يقع الأنس بتحقيق الطاعة؛ لأن المخالفة توجب الوحشة، والموافقة مبسطة المستأنسين، فيا لذة عيش المستأنسين، ويا خسارة المستوحشين). قيل للعابد الربانى وهيب بن الورد رحمه الله: (هل يجد طعم العبادة من يعصيه؟ قال: لا، ولا من يهم بالمعصية). وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: (من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية). ولأجل ذلك كان السلف الصالح الكرام، والأئمة الأعلام يتشوقون إلى فعل الطاعات، ويحرصون على تقديم القربات لرب الأرض والسماوات، ولا يسأمون من العبادات لأنسهم برب البريات. قال الوليد بن مسلم: (رأيت الأوزاعى يثبت فى مصلاه يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس).ولننظر إلى صورة من صور البيوت المسلمة السعيدة عند سلفنا الصالح رضى الله عنهم وأرضاهم فهذا أبو عائشة الإمام التابعى مسروق بن الأجدع كان يصلى حتى تتورم قدماه، قالت زوجته: (فربما جلست أبكى مما أراه يصنع بنفسه، ولما حضرته الوفاة قال: ما آسى على شيء إلا على السجود لله تعالى).